22 Jul
22Jul

مقدمة 

تُعد جوائز التميز الوطنية أداة استراتيجية لدفع الجهات نحو التميز المؤسسي وتعزيز الممارسات الاحترافية. ومن المتطلبات الأساسية لهذه الجوائز أن تُدار بأعلى درجات الحيادية والشفافية والاستقلالية، باعتبارها مرجعية وطنية.

وقد أثبتت التجارب أن من أهم عوامل نجاح الجوائز الوطنية واستدامة أثرها هو التشغيل الذاتي الكامل للجائزة من خلال كفاءات وطنية مؤهلة، تضمن نزاهة العمليات وتراكم المعرفة داخلياً.

لكن، لوحظ في بعض الجوائز اعتمادها على شركات استشارية خارجية لإدارة عمليات التقييم والتشغيل الفني، ما يثير مخاوف جدية تتعلق بتعارض المصالح ويهدد مصداقية الجائزة على المدى الطويل.

أولاً: المخاطر المرتبطة بالاستعانة بشركات استشارية

١- تعارض المصالح المباشر

 غالباً ما تقدم الشركات الاستشارية خدمات تمكين وتحسين للجهات الحكومية والخاصة، وقد تكون بين عملائها جهات مشاركة في الجائزة، مما يخلق تعارضاً مباشراً بين دور المقيم ودور الممكّن. أو أن ذلك ربما سيفتح الباب للتعامل مع هذه الشركة بوجه خاص، ويضيف لها امتيازات نظراً لقربها من الجائزة. 

٢- اهتزاز مصداقية الجائزة

 عندما تتولى جهة خارجية تجارية إدارة الجائزة أو عملياتها التقييمية، يتولد انطباع بعدم استقلالية النتائج، ما يُضعف ثقة المشاركين والرأي العام في الجائزة. 

٣- خطر التحيّز أو التلاعب

 أي علاقة مسبقة أو محتملة بين الجهة الاستشارية وبعض المشاركين قد تؤدي إلى تحيّز غير مقصود في اختيار المقيمين، أو توجيه مخرجات التقييم بطريقة تؤثر على العدالة التنافسية. 

٤- الإضرار بالمنظومة الوطنية للتميز

 عندما تصبح الجائزة أداة تشغيلية لجهة استشارية، فإنها تتحول من كونها مشروعاً وطنياً استراتيجياً إلى نشاط تجاري مؤقت، ما يضعف أثرها الوطني ويؤخر بناء القدرات المؤسسية المستقلة.


 ثانياً: الحلول العملية البديلة

١- التشغيل الذاتي للجائزة عبر كادر وطني محايد 

ينبغي أن تعتمد الجائزة على كادر وطني مؤسسي دائم يتولى إدارة جميع مراحل الجائزة، على أن يتم اختياره وفق ضوابط تضمن الكفاءة والحيادية، مع التأكد التام من عدم وجود أي تعارض مصالح بين أعضاء الفريق والجهات المتقدمة للجائزة.

 ٢- بناء شبكة وطنية من المقيمين والمحكمين 

إنشاء قاعدة بيانات وطنية تضم مقيمين ومحكمين مؤهلين ومحايدين، مع إخضاعهم لتدقيق مسبق يضمن استقلاليتهم التامة وعدم ارتباطهم المهني أو التجاري بأي جهة مشاركة أو استشارية.

 ٣- إعداد لائحة تضارب مصالح واضحة 

إصدار سياسات ملزمة تُمنع بموجبها مشاركة أي طرف له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالجهات المتقدمة، مع توقيع جميع الأطراف العاملة في الجائزة على إقرارات إفصاح وحياد.

 ٤- الاستعانة الخارجية في أعمال غير حساسة فقط 

عند الحاجة، يمكن التعاقد مع جهات خارجية في الخدمات المساندة فقط، مثل تطوير الأنظمة الإلكترونية أو خدمات الدعم التقني، دون السماح لها بالمشاركة في التقييم أو إعداد التقارير أو أي عمل فني جوهري.

 ٥- برامج تأهيل وتوطين للكوادر 

إطلاق برامج تدريبية ممنهجة لبناء قدرات وطنية احترافية في مجال التميز المؤسسي، تشمل تأهيل المقيمين، المحكمين، ومنسقي التقييم، بما يحقق الاكتفاء الذاتي تدريجياً ويعزز الاستقلال الوطني للجائزة.

 ٦- تصميم نظام حوكمة متكامل 

إنشاء نظام حوكمة صارم يشمل تشكيل لجان إشراف عليا، وآليات مراجعة مستقلة، وسياسات واضحة لإدارة العمليات، بما يضمن الالتزام بالمعايير الوطنية والأخلاقية، ويحصن الجائزة من التدخلات أو الانحرافات. 

خاتمة 

إن حماية حيادية جوائز التميز الوطنية هي مسؤولية جوهرية لضمان عدالتها وقيمتها الاستراتيجية. والاستعانة بجهات خارجية تجارية لإدارة الجوائز، رغم ما قد توفره من خبرات تشغيلية، إلا أنها تُعرض الجائزة لمخاطر واضحة في تعارض المصالح، مما يهدد ثقة المشاركين ويقوّض أثرها الوطني.

ولهذا، فإن الاتجاه نحو التشغيل الذاتي الكامل للجائزة من خلال كادر وطني محايد، وتفعيل منظومة حوكمة متكاملة، هو الخيار الأمثل الذي يضمن استدامة الجائزة، ويحمي حياديتها، ويعزز دورها كمرجعية وطنية يُحتذى بها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.